أول نواقض الإسلام (الشرك بالله)
أعظم أنواع الردة، وأول ناقض من نواقض الإسلام، هو الشرك في عبادة الله – تعالى، ومعنى الشرك بالله هو أن يُعبد مع الله غيرُه، أو كما عرّفه لنا نبينا ﷺ: «أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ» (البخاري: 6811).
ما أنواع الشرك بالله؟
الشرك نوعان:
1- الشرك الأكبر: وهو صرف العبادة لغير الله، كأن يُذبح لغير الله، أو يُنذر لغير الله، أو يُسجد لغير الله، كما كانت قريش تفعل مع أوثانها.
ونلاحظ أنه عندما تُطلق كلمة (الشرك) يكون المقصود بها (الشرك الأكبر).
2- الشرك الأصغر: مثل الحلف بغير الله، قال رسول الله ﷺ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَك” (صحيح أبي داود: 3251)، والرياء؛ وهو أن يقصد العبد بعبادته غير وجه الله، من تحصيل مال أو مصلحة أو غيرها، قال النبي ﷺ: «إنَّ أَخْوَفَ مَا أَخافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؛ الرياءُ» (صحيح الجامع: 1555).
ورغم أن الشرك الأصغر يحمّل صاحبه وزرًا عظيمًا، إلا أنه لا يخرجه عن الملة، أما الشرك الأكبر فهو الخروج عن الإسلام، وهو الذنب الذي لا يغفره الله – عز وجلّ – إن مات عليه صاحبه، والذي ينقسم ثلاثة أقسام.
تعرف علي شرح نواقض الإسلام العشرة
الأنواع الثلاثة للشرك الأكبر:
ينقسم الشرك الأكبر ثلاثة أقسام:
1- الشرك بالله في الألوهية: وهو الشرك في العبادة؛ مثل أن يذبح لغير الله، أو يسجد لغير الله، أو يستغيث بغير الله، قال – تعالى: ﴿إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ [فاطر: 14].
ويشمل الشرك بالله في الألوهية أيضًا طاعة المخلوقين في التحليل والتحريم بغير سلطان من الله؛ قال – تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 31].
ويشمل أيضًا تقديم حب المخلوقين على حب الله – عز وجلّ ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة: 165].
2- الشرك بالله في الربوبية: وهو الاعتقاد بأن مع الله أربابًا يملكون التصرف في الرزق والأقدار؛ مثل من يدعو ميتًا ليلبي له حاجته، ومثل النصارى الذين يعتقدون أن الله ثالث ثلاثة متساوين في القدرة والإرادة، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
3- الشرك بالله في الأسماء والصفات: ويشمل تشبيه صفات الله بصفات المخلوقات؛ مثل من يعتقد أن سمع الله كسمع البشر، وأن بصر الله كبصر البشر، تعالى الله عن ذلك. كما يشمل أيضًا تشبيه المخلوقات بالله في أسمائه وصفاته، كمن اشتقوا (اللات) من الإله، و(العزى) من العزيز، قال – تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ﴾ [الأعراف: 180].
ما عقوبة الشرك بالله؟
توعّد الله – سبحانه – المشركين بأشد العقوبات وأقصاها؛ لأن الشرك بالله هو أخطر الذنوب وأعظمها، وقد سماه الله بـ (الظلم العظيم)، على لسان عبده لقمان الحكيم؛ قال – تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: 13].
والسبب في تسمية الشرك بالله ظلمًا عظيمًا، هو كما قال الشيخ السعديّ – رحمه الله – في تفسيره: “لا أفظع وأبشع ممن سَوَّى المخلوق من تراب بمالك الرقاب، وسوَّى الذي لا يملك من الأمر شيئًا بمن له الأمر كله، وسوَّى الناقص الفقير من جميع الوجوه بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه، وسوَّى من لم ينعم بمثقال ذرة من النعم بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم ودنياهم وأخراهم وقلوبهم وأبدانهم إلا منه، ولا يصرف السوء إلا هو، فهل أعظم من هذا الظلم شيء!” (تفسير السعدي: 761).
ومن الآيات الواضحة التي تبيّن خطورة الشرك بالله وجزاءه عند الله – عز وجلّ:
- ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 48]، وفيها دليل على أن الله لا يغفر الشرك إلا بالتوبة النصوح، بينما سائر الذنوب دون الشرك بالله، كالسرقة والزنا وشرب الخمر – وإن كانت من الكبائر – وإن كانت تنقص الإيمان، إلا أنها تحت مشيئته، إن شاء غفرها لهم وإن شاء عذبهم عليها، ثم يدخلون الجنة في نهاية الأمر؛ لأنهم لم يفارقوا التوحيد.
- ﴿إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾ [المائدة: 72]. هذا مصير المشركين بالله في الآخرة، يُحرمون من دخول الجنة حرمانًا قطعيًّا مطلقًا لا أمل فيه – والعياذ بالله – بل ويدخلون إلى النار؛ فهي مأواهم ومستقرهم خالدين مخلدين فيها، لا يستطيع أحد أن يُخْرِجَهم أو يشفع لهم عند الله، كما يُشفع لأصحاب الكبائر ويخرجون برحمة الله من النار.
لهذا ينبغي على المسلم أن ينتبه لنفسه ويحميها من الشرك بالله ويدعو ربه أن ينجيه منه، ويجتهد في نصح أهله وإخوانه ممن يرتكبون الأفعال الشركية، عن علم أو جهل؛ مثل عبادة الأضرحة والاستغاثة بالأموات وغيرها من الأفعال الشركية السارية في الأمة سريان النار في الهشيم.
من أنواع ظلم الإنسان لنفسه الشرك بالله
سبق أن ذكرنا وصف القرآن الكريم للشرك بأنه هو الظلم العظيم؛ لأن الظلم هو نقص كل ذي حقٍّ حقَّه، وحق الرب – سبحانه – على عباده هو أوجب الحقوق؛ فهو الذي خلقك وأوجدَك مِن العدم، وهو الذي أمدَّكَ بأسباب الحياة، فهل يُوجَد أحدٌ أحق بالعبادة من الله! وهل يوجد ظلمٌ أعظم من مساواة الله – تبارك وتعالى – بمخلوقاته العاجزة الفانية!
ولهذا تكرر وصف المشركين بصفة الظلم في آيات عديدة: ﴿وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: 106]؛ لأنك إن دعوتَ مع الله أحدًا غيرَه، فكأنك تشك في قدرته – سبحانه – على قضاء حاجات عباده مباشرةً، أو أنك تظن أن الله محتاجٌ لوزير أو ظهير يوصل إليه حاجات العباد، حاشاه – سبحانه – عن هذا الظلم والنقص.
كما أن الشرك سبب في إحباط العمل وضياع الأجر ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الزمر: 65]، وهذا ظلم واضح للنفس؛ حيث يفقد الإنسان أجر عمله الذي تعب فيه واجتهد، فإذا به يجده يوم القيامة هباءً منثورًا.
وعندما يدخل المشركون في نار جهنم، يتصايحون فيها ﴿تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِين- إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: 97، 98]، حسرةٌ وندامةٌ تملأ قلوبَهم، عندما يروا جلال ربهم وجبروته يوم القيامة، وعندما تذوق أجسامهم حرَّ النار ولهيبَها، لكن فات وقت الندم والعودة.
من العبارات الشركية
كثير من العبارات تنتشر على ألسنة المسلمين، ويستعملونها دون انتباه منهم، وهي في حقيقتها عبارات شركية، سواء كان شركًا أكبر أو أصغر، ومن هذه العبارات:
- (وحياتك) (والنبي) (والنعمة) (بشرفك)… وكل ألفاظ الحلف بغير الله.
- (ما شاء الله وشئتَ) (أنا معتمد على الله وعليكَ) (مالي إلا الله وأنتَ)… وكل ما يشبه ذلك؛ حيث نهى عنه النبي ﷺ في الحديث: «لَا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ فُلَانٌ، وَلَكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ شَاءَ فُلَانٌ» (السلسلة الصحيحة: 137).
- (مدد يا سيدي فلان) ويذكر اسم شخص ميت يعتقد فيه الصلاح، ويعتقد أنه يملك له الضر والنفع.
- (يا رب بجاه النبي) (يا رب بجاه الأولياء الصالحين).
فينبغي على من اعتاد مثل هذه الألفاظ الشركية أن يحفظ لسانه عما حرّم الله، وأن يُعوّد لسانه على الكلم الطيب، ويستبدل الألفاظ الشركية بالألفاظ التي تعود عليه بالأجر، وليس له عذر في أن لسانه قد اعتاد على مثل هذه الألفاظ، فإنه محاسَب عليها يوم القيامة ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق: 18].
كيف نبتعد عن الشرك بالله؟
من الوسائل التي ينبغي على المسلم أن يتبعها ليقي نفسه من الإشراك بالله:
- عدم الصلاة إلى القبور، وعدم بناء المساجد عليها.
- عدم المبالغة في تقديس الأشخاص وإجلالهم، وإن كانوا من أهل الخير والصلاح.
- تعلّم العقيدة الصحيحة، عقيدة أهل السنة والجماعة، التي تركنا عليها النبي ﷺ.
- التعوّذ بالله من الشرك، كما أوصانا النبي ﷺ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ، وَ نَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لَا نَعْلَمُهُ» (صحيح الترغيب: 36).
فهذه من الأسباب المعينة على إخلاص التوحيد لله، والابتعاد عن الشرك والكفر، إن التزم بها المسلم متوكلًا على الله مستعينًا به.
وختامًا: نسأل الله أن يثبتنا على دينه حتى نلقاه وهو راضٍ عنا غير غضبان، وأن يعيذنا من الشرك والرياء والكفر ووساوس الشيطان.