ما حكم الاستهزاء بالدين؟ مع الدليل والتعليل؟
قال الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله– في نواقض الإسلام: (مَن استهزأ بشيء من دين الرسول أو ثواب الله أو عقابه؛ كَفَر، والدليل قوله –تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ [التوبة: 65، 66]) (نواقض الإسلام: 3).
هذه الآيات الكريمة هي من أظهر الآيات في بيان حكم الاستهزاء بالدين وكونه أحد نواقض الإسلام، وأن حكم الاستهزاء بالدين هو الكفر المخرج عن الملة –عياذًا بالله.
قال الشيخ السعدي –رحمه الله– في الأحكام المستخرجة من هذه الآيات: (..وأن من استهزأ بشيء من كتاب اللّه أو سنة رسوله الثابتة عنه، أو سخر بذلك، أو تَنَقَّصه، أو استهزأ بالرسول أو تَنَقَّصه، أنه كافر باللّه العظيم) (تفسير السعدي: 392).
وسبب نزول هذه الآيات هو ما ورد عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما– قال: (قال رجلٌ في غزوةِ تبوكَ في مجلسٍ يومًا: ما رأيتُ مثلَ قرَّائِنا هؤلاءِ؛ لا أرغبَ بطونًا ولا أكذَبَ ألسِنَةً، ولا أجبَنَ عند اللِّقاءِ، فقال رجلٌ في المجلِسِ: كذبتَ، ولكنَّكَ منافقٌ، لأخبرَنَّ رسولَ اللَّهِ –صَلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ. فبلغَ ذلك النَّبيَّ –صَلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ– ونزل القرآنُ. قال عبدُ اللَّهِ: فأنا رأيتُهُ متعلِّقًا بِحِقبِ ناقةِ رسولِ اللَّهِ تنكُبُهُ الحجارةُ وهو يقولُ: يا رسولَ اللَّهِ إنما كنَّا نخوضُ ونلعَبُ. ورسولُ اللَّهِ –صَلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ– يقول: ﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ﴾) (الصحيح المسند من أسباب النزول للشيخ الوادعي: 126).
والعلة من هذا الحكم القاطع على كل من يستهزئ بالدين؛ هي أن الاستهزاء بالدين تناقضٌ صريح مع حقيقة الإيمان والإسلام، وتبجّح سافرٌ يستحيل أن يصدُرَ عن قلب امتلأ بتعظيم الله وتأليهه والإخبات إليه، لهذا عُدّ الاستهزاء بالدين والاستخفاف بأوامر الرب –تبارك وتعالى– ناقضًا من نواقض الإسلام بلا خلاف بين علماء أهل السنة والجماعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله: (الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر؛ يكفر به صاحبه بعد إيمانه) (مجموع الفتاوى: 7/ 273).
وقال الإمام النووي: (إذا سخر باسم من أسماء الله تعالى– أو بأمره، أو بوعده أو وعيده، كفر) (روضة الطالبين: 10/ 66).
ماذا قال الله عن المستهزئين؟
لم يذكر الله –تبارك وتعالى– الاستهزاءَ والمستهزئين في كتابه العزيز؛ إلا على سبيل القدح والذم، فليست هذه صفة المؤمنين الطائعين، ولا سمة المخبتين المنيبين، وهذه طائفة من الآيات التي تنقل لنا ديدنَ الكفار في الاستهزاء بالدين:
- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [المائدة: 57، 58].
- ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ [الأعراف: 50، 51].
- ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [هود: 8].
- ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ [الرعد: 32].
- ﴿ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا﴾ [الكهف: 106].
- ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ [الأنبياء: 36].
- ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [لقمان: 6].
- ﴿وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ [الجاثية: 9].
فحري بالمسلم أن ينأى بنفسه عن التشبه بمن هذا وصفُهم، وأن يبتعد كل البعد عن السخرية واللهو واللعب على وجه العموم، وعن الاستهزاء بالدين على وجه الخصوص.
أمثلة على الاستهزاء بالدين
الاستهزاء بالدين يشمل كل قول أو فعل غرضه الاستهزاء بالله –عز وجل– ورسوله ﷺ، أو الانتقاص من دين الإسلام، أو الاستهانة بأحكام الشريعة، أو السخرية من علماء الأمة والمستقيمين على هَدي النبي ﷺ.
وله صورٌ كثيرة نذكر بعضها:
- من صور الاستهزاء بالدين: الاستهزاء الصريح بالنبي ﷺ، مثل عتاة الكافرين الذين يرسمون رسومًا ساخرة للنبي ﷺ –قصمهم الله وأذلهم في الدنيا والآخرة.
- ومن صور الاستهزاء بالدين: السخرية ممن يطبّق أحكام الشريعة في نفسه أو في بيته أو في أمته، وتسميتهم بالرجعيين أو المتخلفين أو المتطرفين..
- ومن صور الاستهزاء بالدين: انتقاص كلِّ مَن التزم بالهَدي الظاهر، كاللحية والنقاب والحجاب، ومعاملتهم بترفع واحتقار، وتنفير الناس عنهم كأن بهم مرضًا معديًا أو داءً مُهلِكًا.
- ومن صور الاستهزاء بالدين: الحط من قيمة السنن والمستحبات، ووصفها بأنها قشورُ الدين وليست لُبّه؛ كالسواك، وحفِّ الشارب، وتقليم الأظافر، وتقصير الثوب.
- ومن صور الاستهزاء بالدين: ذِكر اسم الله –تعالى– وطلب الاستعانة به وتوفيقه قبل إتيان المعصية، على سبيل الاستهزاء والاستخفاف، قال الإمام النووي –رحمه الله: (ولو قال وهو يتعاطى قدح الخمر، أو يقدِم على الزنا: بسم الله –استخفافًا بالله تعالى–كفر) (روضة الطالبين: 10/ 67).
- ومن صور الاستهزاء بالدين: الاستهزاء بحدود الله –مثل حد السرقة وحد الزنا وحد الحرابة– ووصفها بالقسوة والوحشية، وزعْم أن الحضارة تأبى مثلَ هذه العقوبات المفظعة المؤلمة، والحق أن الفظاعة كل الفظاعة؛ والوحشية كل الوحشية؛ هي ما يقاسيه المسلمون بسبب تركهم إقامة حدود ربهم، ومَن أمِن العقوبةَ أساء الأدب.
- ومن صور الاستهزاء بالدين: عقد المقارنة بين أحوال الغرب الكافر المتقدم دنيويًّا؛ وبين أحوال المسلمين وما هم فيه من ضعف وتأخر، والتهكم على النصوص التي وعد الله فيها أهلَ الإسلام بالنصرة والاستخلاف في الأرض، وينسى هذا المستهزئ –أو يتناسى– شروط تحقق وعدِ الله، وعوامل النصر والرفعة التي تخلى المسلمون عن معظمها أو عن جميعها.
- ومن صور الاستهزاء بالدين: استعمال آيات القرآن في غير موضعها، وإنزالها منزلًا لا يليق بعظمة كلام الله وآياته، كأن يجتمع قوم على طعام مثلا ويقول أحدهم: ﴿كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ﴾، من باب إضحاك القوم والمزاح معهم.
فهذه الصور وغيرها هي تطاولٌ على الله وشرعه؛ واستهانةٌ بوعده ووعيده؛ ولا تصدر إلا عن قلب جف منه نبع الإيمان؛ وتملَّك منه الهوى والشيطان، وقد تهاون في هذه المسألة كثيرٌ من المسلمين تحت مسمى المزاح واللهو، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ما حكم الاستهزاء بالدين على سبيل المزاح؟
يتخذ بعض المسلمين الدينَ وأحكامَه مادةً للمزاح وإلقاء النكات وإضحاك الناس، عن جهلٍ منهم بخطورة الأمر؛ وكونه قد يندرج تحت الاستهزاء بالدين الذي هو أحد نواقض الإسلام.
- قال القاضي أبو بكر بن العربي: (إن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة، فإن التحقيق أخو العلم والحق، والهزل أخو الباطل والجهل) (أحكام القرآن: 2/ 543).
- وسُئل سماحة الشيخ ابن باز –رحمه الله– عن الاستهزاء بالدين من باب الضحك والمزاح، فأجاب –رحمه الله: (هذا لا يجوز، وهذا منكر وصاحبه على خطر، وإن كان قصده الاستهزاء بالدين يكون كفرًا) (فتاوى الشيخ ابن باز: 28/ 365، 366).
- وقال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله: (أما إذا استهزأ بشيء من الدين ساخطًا وقال: أنا ما أردت العيب والقذف ولكني أضحك، أو أقول هزلًا؛ فهذا كافر مرتد –والعياذ بالله– إذا تاب فعليه أن يعتبر نفسه قد جدد إسلامه، وعليه عند أكثر العلماء أن يغتسل غسل الكافر إذا أسلم؛ لأن الاستهزاء بالدين، أو الاستهزاء بالله، أو بالقرآن، أو بالرسول، كفر مخرج عن الملة، سواء قاله الإنسان جادًّا، أم مازحًا، فالأمر خطير) (اللقاء الشهري: 44/ 50).
ومع كون المستهزئ بالدين على خطر الوقوع في الكفر كما اتضح من أقوال العلماء السابقة؛ إلا أن هناك فرقًا بين الاستهزاء بذات الدين وأحكامه، وبين الاستهزاء بالشخص الملتزم بالدين، كمن يستهزئ بالشخص الملتزم بالهدي الظاهر من الدين فقط، ويترك سائر جوانب الدين من حسن الخلق وأحكام البيع والشراء وغيرها..، فمثل هذا الاستهزاء وإن كان حرامًا إلا أنه يقع تحت الغيبة والفسق، ولا يَخرج فاعلُه من الملة.
قال الشيخ ابن باز –رحمه الله: (إذا كان قصده الاستهزاء بالدين فهي ردة، كما قال –تعالى: ﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾، أما إذا كان يستهزئ من الشخص نفسه بأسباب أخرى من جهة اللحية أو من جهة تقصير الثياب، ويعني بذلك أنه متزمت، وأن يستهزئ بأمور أخرى يشدد في هذا أو يتساهل في أمور أخرى يعلم أنه جاء بها الدين، وليس قصده الاستهزاء بالدين، بل يقصد استهزاءه بالشخص بتقصيره لثوبه أو لأسباب أخرى، أما إذا كان قصده الاستهزاء بالدين والتنقص للدين فيكون ردة، نسأل الله العافية) (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: 28/ 367).
فحري بنا أن نراقب كلَّ كلمة تخرج من أفواهنا، ونقيم كلماتنا على ميزان الشرع قبل أن ننطق بها، وننبِّه إخواننا على خطورة هذا الأمر الذي تَفَشَّى بين المسلمين اليوم عن جهل منهم بحكمه، وقد قال النبي ﷺ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ» (صحيح الترمذي: 2314).
التوبة من الاستهزاء بالدين
بعد تفصيل الكلام في مسألة الاستهزاء بالدين، وبيان أقوال العلماء فيه، وسرد الأدلة على أنه سبب للردة والكفر الأكبر، يجب على المسلم الواقع في هذا الإثم العظيم أن يجدد إيمانه وإسلامه، ويرجع إلى ربه تائبًا خاضعًا منيبًا، عسى ربه أن يرحمه ويتجاوز عن إساءته.
قال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله: (من قال كلمة الكفر ولو مازحًا فإنه يكفر، ويجب عليه أن يتوب، وأن يعتقد أنه تاب من الردة، فيجدد إسلامه، فآيات الله –عز وجل– ورسوله أعظم من أن تُتَّخذ هزوا أو مزحًا) (لقاءات الباب المفتوح: 60/ 12).
وقال –رحمه الله– أيضًا: (إذا تاب فعليه أن يعتبر نفسه قد جدد إسلامه، وعليه عند أكثر العلماء أن يغتسل غسل الكافر إذا أسلم؛ لأن الاستهزاء بالدين، أو الاستهزاء بالله، أو بالقرآن، أو بالرسول، كفر مخرج عن الملة، سواء قاله الإنسان جادًّا، أم مازحًا، فالأمر خطير) (اللقاء الشهري: 44/ 50).
بل إن مجرد الجلوس في مجلس يُستهزأ فيه بآيات الله ويُسخَر فيه من شرعه؛ يعم جميعَ الجالسين بشؤم هذا الذنب؛ فيُحكَم عليهم جميعًا بنفس الحُكم، سواءً شارك هذا الجالس المستمع في الحديث أم لم يشارك، والدليل قوله –تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا﴾ [النساء: 140].
قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: (فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله –عز وجل: ﴿إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ﴾. فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية) (الجامع لأحكام القرآن: 7/ 185).
فخلاصة القول أن الحاضر لمثل هذا المجلس المذموم لا يخلو من ثلاثة أمور:
1– إما أن ينكر على الحاضرين ويغضب لله؛ فيكون بهذا قد أدى الواجب وأبرأ الذمة.
2– وإما ألا يتمكن من الإنكار، فيترك المجلس وقلبه مُنكِر لأقوالهم.
3– وإما أن يجلس معهم ويسكت على كفرهم وسفههم، فهذا يأخذ حكمهم بالكفر كما دلت على ذلك الآية الكريمة.
فإذا علم المسلم هذا الحكم وجب عليه أن يلتزمه، وأن يهجر مجالس الكفر والفسق والضلال، كما يجب عليه أنه يبادر إلى التوبة من هذا الإثم العظيم إن كان قد اقترفه عن جهلٍ فيما مضى، ولْيحافظ على طهارة قلبه من مثل هذه السفاهات التي توقع في الكفر الأكبر، وتودي بالمرء إلى قعر جهنم، نسأل الله النجاة والسلامة.