Blog

الحكم بغير ما أنزل الله وأحكامه

الحكم بغير ما أنزل الله

(الحكم بغير ما أنزل الله) رابع نواقض الإسلام

قال الشيخ المجدِّد محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – في نواقض الإسلام: “من اعتقد أن غير هَدْيِ النبي ﷺ أكمل من هَدْيه، أو أن حُكم غيره أحسن من حُكمه، كالذي يفضِّل حُكم الطواغيت على حكمه، فهو كافر”. (نواقض الإسلام: 3)

 

ما معنى حكم الطواغيت؟

حُكم الطاغوت: هو كل حُكمٍ غير حُكم الله؛ فيشمل القوانين الوضعية، والعادات الجاهليّة، وغيرها.

قال الله – تعالى – في وصف المنافقين: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ [النساء: 60].

قال الشيخ السعدي في تفسير الآية: “﴿الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ﴾ مؤمنون بما جاء به الرسول وبما قبله، ومع هذا ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ﴾ وهو كل من حكم بغير شرع الله فهو طاغوت، والحال أنهم ﴿قد أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ فكيف يجتمع هذا والإيمان! فإن الإيمان يقتضي الانقياد لشرع الله وتحكيمه في كل أمر من الأمور” (تفسير السعدي: 198).

تعرف علي شرح نواقض الإسلام العشرة

هل يصح الحكم بغير ما أنزل الله؟

يقول الله – تعالى – في كتابه حكايةً عن نبيه يوسف – عليه السلام: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: 40]، قال الشيخ الشنقيطي – رحمه الله: “دَلَّ القُرآنُ في آياتٍ كثيرةٍ على أنَّه لا حُكمَ لغيرِ اللهِ، وأنَّ اتِّباعَ تشريعِ غَيرِه كُفرٌ به” (أضواء البيان: 7/48).

وإذن فإنّ الحكم بغير ما أنزل الله يطعن في أساسات إسلام المرء، ويهدد دينَه بالنقض والانهدام؛ لأنه لا حُكم أفضل من حُكم الله، ولا حكمة فوق حكمته، ولا مصلحةَ في غير أوامره ونواهيه – سبحانه – ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: 50].

أقوال العلماء والسلف في الحكم بغير ما أنزل الله:

استفاض العلماء في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله؛ لكونها قاعدةً محورية للمسلمين أفرادًا وأممًا، وقد أكد الله – سبحانه – على وجوب الاحتكام للشرع في آيات عديدة، ونفى الإيمان عن الذي يتحاكم إلى الطاغوت ويُعرض عن حُكم الله، قال تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].

وهذا طرفٌ من أقوال علماء أهل السنة والجماعة في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله:

  • قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله: “يُنكِرُ – تعالى – على من خرج عن حُكمِ اللهِ المحكَمِ المُشتَمِلِ على كُلِّ خيرٍ، النَّاهي عن كُلِّ شرٍّ، وعَدَل إلى ما سواه من الآراءِ والأهواءِ والاصطلاحاتِ التي وضعها الرِّجالُ بلا مُستنَدٍ من شريعةِ اللهِ، كما كان أهلُ الجاهليَّةِ يحكُمونَ به من الضَّلالاتِ والجَهالاتِ، مِمَّا يَضعونَها بآرائِهم وأهوائِهم… يُقَدِّمونَها على الحُكمِ بكِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم” (تفسير ابن كثير: 131/3).
  • وقال الشيخ السَّعديُّ – رحمه الله: “الحُكْمُ بغيرِ ما أنزل اللهُ مِن أعمالِ أهلِ الكُفْر، وقد يكونُ كُفرًا يَنقُلُ عن الملَّةِ؛ وذلك إذا اعتَقَد حِلَّه وجوازَه، وقد يكونُ كبيرةً مِن كبائِرِ الذُّنوبِ ومن أعمالِ الكُفْرِ، قد استحَقَّ مَن فَعَلَه العذابَ الشَّديدَ” (تفسير السعدي: 233).
  • وقال شيخ الإسلام ابنُ تَيميَّةَ – رحمه الله: “الحُكْمُ بالعَدلِ واجِبٌ مُطلَقًا، في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ..، والحُكْمُ بما أنزل اللهُ على مُحَمَّدٍ هو عَدْلٌ خاصٌّ، وهو أكمَلُ أنواعِ العَدْلِ وأحسَنُها، والحُكْمُ به واجِبٌ على النَّبيِّ وكُلِّ من اتَّبَعه، ومن لم يلتَزِمْ حُكمَ اللهِ ورَسولِه فهو كافِرٌ” (منهاج السنة النبوية: 131/5).

ويظهر في لهجة العلماء عند الحديث عن هذه المسألة الشدة والحسم؛ لأن الأمة إذا تَركتْ حُكمَ الله العزيز الحكيم، وأعملت العقل البشري الضعيف، وحكّمتْ أهواء النفس ورغباتها، فقد عرّضت نفسها لغضب الله وعقابه، وذاقت الخزي والهوان في الدنيا قبل الآخرة، نسأل الله السلامة.

أنواع الحكم بغير ما أنزل الله:

وصف الله – سبحانه – من لم يحكم بما أنزل الله بثلاثة أوصاف مختلفة في آيات سورة المائدة، وهذه الآيات هي: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: 44]، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: 45]، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: 47].

وإذا تعددّت الأوصاف لمرتكب نفس الفعل، يكون الجمع بين الآيات محمولًا على التفرقة بين أحوال مرتكب الفعل؛ أي إن الذي يحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كافرًا في حال، وقد يكون ظالمًا في حال، وقد يكون فاسقًا في حال، وهذه الأحوال هي ما اعتنى بإيضاحها علماء أهل السنة والجماعة في القديم والحديث، وذكروا أن الذي يحكم بغير ما أنزل الله له أحوال:

1- إذا اعتقد أن حُكم غير الله مساوٍ لحكم الله؛ أي يساوي بين قوانين البشر وأحكامهم وبين شريعة الله المحكمة، فهذا كافر بالله – عز وجلّ.

2- إذا اعتقد أن حُكم غير الله أحسن من حكم الله، فهذا أشد وأفظع في الجرم، وهو كافر بالله لا ريب؛ مثل من يعتقد أن أحكام الشريعة لا توافق الزمن المعاصر، وأن وقتها قد مضى، وأن القوانين الوضعية الحديثة هي الأصلح للحكم في هذا الزمان، ومثل هذا الكلام الذي عمَّت به البلوى بين كثير من المسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

3- إذا حَكم بغير ما أنزل الله لهوى في نفسه، ومصلحة دنيوية يبتغيها، لكنّه مقرٌّ أن حكم الله هو الأفضل والأصلح، ومُقِرٌّ بذنبه وسوء عمله، فهذا لا يكفر، بل يكون فاسقًا مرتكبًا لكبيرةٍ من كبائر الذنوب ينبغي أن يتوب منها قبل الفَوت.

4- إذا حكم بغير ما أنزل الله ليأكل حقًّا أو يحابي مَن لا يستحق، فهذا أيضًا لا يكفر، بل يكون ظالمًا باغيًا، ولا بد من أن يبادر بالتوبة ورد مظالم العباد.

بقي أن نعلم أن بعض العلماء يرى أن الأوصاف الثلاثة تصدُق على كل من لم يحكم بما أنزل الله، أي أنه يكون كافرًا ظالمًا فاسقًا، دون التفرقة بين أحوال مرتكب هذا الفعل، نعوذ بالله من جميع هذه الأوصاف.

متى يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرًا أكبر؟

سبق أن ذكرنا قول الله – تعالى – ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [المائدة: 44]، وللعلماء في تفسير هذه الآية كلامُ مطوَّل، لكن مع ذلك وُجِدت بعض الفرق التي تنتسب إلى الإسلام، ممن ضلَّت أفهامهم عن معنى الآية وسبب نزولها وقول السلف فيها، فانطلقوا يكفّرون المسلمين ويثيرون الفتنة بينهم.

وهذا جَمعٌ مِن أقوال علماء أهل السنة والجماعة في هذه الآية:

  • قال ابنُ عبَّاسٍ وطاوسٌ: “ليس بكُفرٍ يَنقُل عن الملَّةِ، بل إذا فعله فهو به كافِرٌ، وليس كمن كَفَر باللهِ واليومِ الآخِرِ” (تفسير البغوي: 55/2).
  • وقال عَطاءٌ: “هو كُفرٌ دونَ كُفرٍ، وظُلمٌ دونَ ظُلمٍ، وفِسقٌ دونَ فِسقٍ” (تفسير البغوي: 55/2).
  • وقال عِكْرمةُ معناه: “ومن لم يحكُمْ بما أنزل الله جاحِدًا به، فقد كَفَر، ومن أقَرَّ به ولم يحكُمْ به فهو ظالمٌ فاسِقٌ” (تفسير البغوي– 55/2).
  • وقال ابن القيم: “إنَّ الحُكمَ بغيرِ ما أنزل اللهُ يتناوَلُ الكُفْرينِ؛ الأصغَرَ والأكبَرَ، بحسَبِ حالِ الحاكِمِ؛ فإنَّه إن اعتقد وجوبَ الحُكمِ بما أنزل اللهُ في هذه الواقعةِ، وعَدَل عنه عصيانًا، مع اعترافِه بأنَّه مُستحِقٌّ للعقوبةِ؛ فهذا كُفرٌ أصغَرُ، وإن اعتقد أنَّه غيرُ واجبٍ، وأنَّه مُخيَّرٌ فيه مع تيقُّنِه أنَّه حُكمُ اللهِ؛ فهذا كُفرٌ أكبَر” (مدارج السالكين: 346/1).
  • وقال الشيخ ابن باز – رحمه الله: “إذا كان يعتقد أن حكم الله هو الواجب، وأن الحكم بغير ما أنزل الله لا يجوز، ولكن حكم بغير ما أنزل الله لأسباب أخرى، فإنه حينئذٍ يكون فاسقًا وظالمًا وكافرًا، لكنه ظلم دون ظلم، وفسق دون فسق، وكفر دون كفر؛ لأنه يعرف أنه ظالم، وأنه مخطئ، وأنه عاصٍ لله، ولكن حمله على الحكم بغير ما أنزل الله أسباب اعتقد أنها مبررة لعمله السيئ، كأخذ الرشوة، ووجوده في الإمارة والسلطنة، وما أشبه ذلك..

أما من حكم بغير ما أنزل الله يعتقد جواز ذلك، أو أنه أفضل من حكم الله؛ فهذا كافر كفرًا أكبر، بعض الناس – نعوذ بالله – يعتقد أن الحكم بما أنزل الله مضى زمانه، وأنه لا يليق بأهل الزمان، وهذا من أعظم الكفر، نسأل الله العافية”. (الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الإمام ابن باز -رحمه الله-، تم الاطلاع عليه بتاريخ 7 من جمادى الآخرة 1445، رابط الفتوى: ما معنى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}؟  )

ويتضح من خلال ما ذكرنا من أقوال علماء أهل السنة والجماعة، أن الحكم بغير ما أنزل الله يكون كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة في أحوال، ويكون كفرًا دون كفرٍ في أحوال أخرى، فإذا عرف المسلم هذا فليلزمه، ولا يتعدَّ في الحكم على المسلمين بالكفر، دون بيّنة من الله وحُجة واضحة.

أمثلة الحكم بغير ما أنزل الله:

من أمثلة الحكم بغير ما أنزل الله التي نراها في واقعنا المعاصر:

  • احتكام اليهود والنصارى لأحبارهم ورهبانهم، واتخاذهم أربابًا من دون الله، كما قال الله – تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 31]، قال الشيخ الشنقيطي في التعليق على هذه الآية: “فصرَّح أنهم مشركون بطاعتهم، وهذا الإشراك فى الطاعة واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله – تعالى – هو المراد بعبادة الشيطان فى قوله – تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِين﴾ [يس: 60](أضواء البيان: 259/3).
  • الاحتكام للقوانين الوضعية بدلًا من شرع الله الحكيم الذي ارتضاه لخلقه، والذي لا يزيغ عنه إلا هالك، وسيأتي بيانه إن شاء الله.
  • العادات القبلية، وقوانين وأنظمة البادية، يقدِّمونها على حكم الله، ويقدسونها فوق تقديسهم لأي أمر، ويرجعون إليها في خلافاتهم ومنازعاتهم، فهذا أيضًا من الحكم بغير ما أنزل الله.
  • حقوق المرأة التي لم يأت بها الشرع؛ مثل دعوى تساوي الميراث بين الرجل والمرأة، وادعاء أن الطلاق ظلم، وأن تعدد الزوجات خيانة، وأن طاعة الزوجة لزوجها قهر.. وغير ذلك من أحكام النسوية التي تخالف صريح نصوص القرآن والسنة.

 وعلى هذا فقِس، كل احتكام لغير شرع الله، وكل طاغوت يقدَّم على حكم الله، فهو من هذا الباب الشيطاني، وهو من نواقض الإسلام وهوادم العقيدة.

الفرق بين الحكم بغير ما أنزل الله والتشريع:

التشريع بغير ما أنزل الله هو كما قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله: “هؤلاء المُحكِّمون للقوانين لا يُحكمونها في قضيَّةٍ مُعينة، خالفوا فيها الكتاب والسنَّة، لهوًى أو لظلم، ولكنَّهم استبدلوا الدِّين بهذا القانون، وجعلوا هذا القانون يحلُّ محلَّ شريعة الله، وهذا كُفر” (شرح رياض الصالحين: 178).

وقال – رحمه الله – أيضًا: “المسائل التي تعتبر تشريعًا عامًا لا يتأتى فيها التقسيم السابق، وإنما هي من القسم الأول فقط – يعني الكفر المخرج من الملة – لأن هذا المشرع تشريعًا يخالف الإسلام، إنما شرعه لاعتقاده أنه أصلح من الإسلام، وأنفع للعباد” (مجموع فتاوى ابن عثيمين: 2/ 144).

وقال الشيخ محمد أمين الشنقيطي – رحمه الله: “ويُفهم من هذه الآيات، كقوله: ﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ أنَّ متَّبعي أحكام المشرِّعين غير ما شرع الله أنَّهم مشركون بالله” (أضواء البيان: 4/ 91).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “الإنسانُ متى حَلَّل الحرامَ المجمَعَ عليه، أو حَرَّم الحلالَ المجمَعَ عليه، أو بَدَّل الشَّرعَ المجمَعَ عليه؛ كان كافِرًا مُرتدًّا باتِّفاقِ الفُقَهاءِ” (مجموع الفتاوى: 267/3).

إذن هناك فرق بين من الحكم بغير ما أنزل الله في مسألة أو مسألتين – أيًّا ما كانت نيته – فهذا حكمه يتبع ما ذكرنا في أنواع الحكم بغير ما أنزل الله، أما من يشرّع شرعًا وقانونًا ودستورًا يطبقه على الناس، وينحِّي جانبًا أحكام الشرع كأنها ليست له، أو كأنها لا ترقى لمستوى الحضارة المعاصرة – والعياذ بالله – فهذا كله من الكفر الأكبر بإجماعٍ من علماء أهل السنة في القديم والحديث، مع مراعاة عدم تكفير المعين الذي يرتكب هذا الفعل أو غيره من نواقض الإسلام، إلا إذا تحققت فيه الشروط وانتفت الموانع، فعندها يحكم عليه علماء الأمة – لا العامة – بالتكفير أو عدمه.

تعرف علي  حكم تكفير المعين

الحكم بالقوانين الوضعية:

قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله: “الذين يُحَكِّمون القوانينَ الآن، ويتركون وراءهم كِتابَ اللهِ وسُنَّةَ رَسولِه ليسوا بمؤمنين؛ لقَولِ الله – تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ [النساء: 65]، وهؤلاء المحَكِّمون للقوانينِ لا يُحكِّمونها في قضيَّةٍ مُعَيَّنةٍ خالفوا فيها الكِتابَ والسُّنَّة؛ لهوًى أو لظلمٍ، ولكنَّهم استبدلوا الدِّين بهذا القانونِ، وجعلوا هذا القانونَ يحلُّ محَلَّ شريعةِ اللهِ، وهذا كُفرٌ.. فالحاصِلُ أنَّ المسألةَ خطيرةٌ جِدًّا، مِن أخطَرِ ما يكونُ بالنسبةِ لحُكَّامِ المُسلِمين اليومَ؛ فإنَّهم قد وضعوا قوانينَ تخالِفُ الشَّريعةَ، وهم يَعرِفون الشَّريعةَ، ولكِنْ وَضَعوها – والعياذُ بالله – تبَعًا لأعداءِ اللهِ مِن الكَفَرةِ الذين سَنُّوا هذه القوانينَ، ومشى النَّاسُ عليها… ولا يَرجِعون إلى كِتابِ اللهِ ولا إلى سُنَّةِ رَسولِ الله فأين الإسلامُ؟ وأين الإيمانُ؟ وأين التصديقُ برسالةِ مُحَمَّدٍ وأنَّه رسولٌ إلى النَّاسِ كافَّةً؟ وأين التصديقُ بعُمومِ رسالتِه وأنَّها عامَّةٌ في كُلِّ شَيءٍ؟ كثيرٌ من الجَهَلةِ يظُنُّون أنَّ الشَّريعةَ خاصَّةٌ بالعبادةِ التي بينك وبين اللهِ – عَزَّ وجَلَّ – فقط، أو في الأحوالِ الشَّخصيَّةِ مِن نكاحٍ وميراثٍ وشِبْهِه، ولكِنَّهم أخطَأوا في هذا الظَّنِّ؛ فالشَّريعةُ عامَّةٌ في كُلِّ شَيءٍ” (شرح رياض الصالحين: 178).

 

وختامًا: فإن الحكم بغير ما أنزل الله يفسد الدين والدنيا، كم رأينا من جرائم تمَّت بسبب تهاون المجرم بالعقوبة المنصوص عليها في القانون الوضعي، في حين أنه لو علم أنه سيُقام عليه حد الله لخاف وارتدع هو وغيرُه، ويكفينا ما نلاقيه من الفرقة والتباغض بين المسلمين، وهذا هو ما توعّد به النبي ﷺ – وهو الصادق المصدوق – في قوله: «وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ إِلَّا جُعِل بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ» (صحيح الجامع: 7978).

معتقد: منصة تعليمية تدريبية عن بعد، تقدم محاضرات منهجية ودروس لعقيدة أهل السنة والجماعة.

العلم نور يهدي الله به من يشاء

سجل الان
Scan the code