الوسائط بين العبد وربه- ثاني نواقض الإسلام
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – في نواقض الإسلام: “مَن جعل بينه وبين الله وسائطَ يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم، كَفَر إجماعًا” (نواقض الإسلام: 2).
هذا هو الناقض الثاني من نواقض الإسلام؛ اتخاذ الوسائط بين العبد وربه، وقد يندرج تحت الناقض الأول وهو (الشرك بالله)؛ لأن الاعتقاد بأن أحدًا من المخلوقين يملك النفع والضر أو يملك إجابة الدعاء، هو نوع صريح من الشرك بالله.
لكنّ شيخ الإسلام أفرده وجعله نوعًا مستقلًّا لكثرة وقوعه بين عوام المسلمين الجهّال، وبين من يدّعون الإسلام لكنّهم يبطنون العقائد الشركية المضللة ويدعون الناس إليها.
تعرف علي : شرح نواقض الاسلام
هل توجد واسطة بين العبد وربه؟
سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – مثلَ هذا السؤال، فأجاب – رحمه الله: “إن أراد بذلك أنه لا بد من واسطة تبلغنا أمر الله، فهذا حق؛ فإن الخلق لا يعلمون ما يحبه الله ويرضاه، وما أمر به وما نهى عنه، وما أعده لأوليائه من كرامته وما وعد به أعداءه من عذابه، ولا يعرفون ما يستحقه الله – تعالى – من أسمائه الحسنى وصفاته العليا التي تعجز العقول عن معرفتها، وأمثال ذلك – إلا بالرسل الذين أرسلهم الله إلى عباده” (مجموع الفتاوى: 121/1).
هذه هي الواسطة التي ينبغي أن تكون بين العبد وربه، الرسول ﷺ الذي بلغنا رسالات ربنا، ثم من بعده العلماء من السلف وأهل السنة والجماعة الذين ساروا على هّدْيه واقتفوا أثره، يُبَيِّنون لنا ما يخفى علينا من أحكام الشرع، ونحتكم إليهم فيما اختلفنا فيه.
أما اتخاذ الوسائط بين العبد وربه بهدف التوكل عليهم ودعائهم من دون الله، فقد قال عن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية: “وإن أراد بالواسطة أنه لا بد من واسطة فى جلب المنافع، ودفع المضار، مثل أن يكون واسطة في رزق العباد، ونصرهم، وهداهم، يسألونه ذلك، ويرجون إليه فيه، فهذا من أعظم الشرك، الذي كفّر الله به المشركين، حيث اتخذوا من دون الله أولياء وشفعاء، يجتلبون بهم المنافع ويجتنبون المضار” (الواسطة بين الحق والخلق: 20).
تعرف علي : أنواع الشرك بالله
ما معنى (من جعل بينه وبين الله وسائط)؟
علاقة المسلم بربه وعبادته له تخلو من الوسائط والوسائل، فهي علاقة فردية خالصة لا يتدخل فيها أحد، ولا ميزة لأحدٍ فيها عن الآخر، بل إن الله – عز وجلّ – مطّلعٌ على جميع عباده، يسمع أصواتهم ويعلم ما في قلوبهم، يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، ﴿مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ [السجدة: 4].
واتخاذ الوسائط بين العبد وربه، يشمل صورًا عديدة، منها:
- الوسائط التي كان يتخذها المشركون بهدف التقرب إلى الله كما زعموا، فيصنعون أصنامًا يدعونها ويسجدون أمامها ويعتقدون فيها النفع والضر، ويبررون هذه الأفعال الجاهلة بقولهم الذي ذكره الله لنا في القرآن: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ﴾ [الزمر: 3].
- ما وقع فيه كثير من المسلمين، يقربون إلى ولي ليشفع لهم عند الله، أو يذبحون لقبر، أو يستغيثون بميت يعتقدون فيه الصلاح، وغير هذا من مظاهر اتخاذ الوسائط بين العبد وربه، وهذا كله من الشرك بالله؛ حيث ساوى العبد بين ربه – عز وجلّ – وبين المخلوقين، واعتقد فيهم ما اختص به ربنا –سبحانه.
وقد جاء الرد في القرآن الكريم بشكل قاطع على مثل هذه الاعتقادات الشركية الباطلة، قال – تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِير- وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: 22،23].
لا وسائط بين العبد وربه
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله: “إن أثبتّم وسائط بين الله وبين خلقه كالحُجّاب الذين بين الملك ورعيته، بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالخلق يسألونهم، وهم يسألون الله، هؤلاء مشبّهون لله، شبهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أندادًا، فإن الوسائط التي بين الملوك وبين الناس، يكونون على أحد وجوه ثلاثة:
- إما لإخبارهم من أحوال الناس بما لا يعرفونه، ومن قال: إن الله لا يعلم أحوال عباده حتى يخبره بعض الملائكة أو الأنبياء أو غيرهم فهو كافر.
- الوجه الثاني: أن يكون الملك عاجزًا عن تدبير رعيته، ودفع أعدائه إلا بأعوان يعينونه، فلا بد له من أنصار وأعوان لذله وعجزه.، والله – سبحانه – ليس له ظهير، ولا وَلِيٌّ من الذل؛ قال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء: 111].
- والوجه الثالث: أن يكون الملك ليس مريدًا لنفع رعيته، والإحسان إليهم ورحمتهم إلا بمحرك يحركه من خارج، فإذا خاطب الملك من ينصحه، تحركت إرادة الملك وهمته في قضاء حوائج رعيته، والله – تعالى – هو رب كل شيء ومليكه، وهو أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وكل الأشياء إنما تكون بمشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يجوز أن يكون في الوجود من يُكرهه على خلاف مراده، أو يعلّمه ما لم يكن يعلم، أو من يرجوه الرب ويخافه” (مجموع فتاوى، ابن تيمية، باختصار).
وبهذا يتضح لنا بطلان فكرة الوسائط بين العبد وربه في دين الإسلام من جميع الأوجه، فالعبادة تكون لله وحده، والدعاء يكون لله وحده، والتذلل والخضوع يكونان لله وحده، قال تعالى: ﴿وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ﴾ [يونس: 106].
حكم الواسطة في الدعاء:
قال النبي ﷺ في وصيته لعبد الله بن عباس: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ» (صحيح الترمذي: 2516)، وهذا دليل واضح على أن الدعاء وطلب العون يكون من الله وحده، لا من البشر.
لكننا مع ذلك نرى مواقف عديدة للصحابة – رضوان الله عليهم – طلبوا فيها الدعاء من النبي ﷺ، ووافقهم النبي ﷺ على ذلك، ودعا لهم واستُجيبت دعوته ﷺ، فكيف نجمع بين هذا وبين ما اتفق عليه علماء أهل السنة والجماعة من حرمة اتخاذ وسائط بين العبد وربه؟
والجواب على ذلك يكون بالتفرقة بين نوعين من اتخاذ الواسطة في الدعاء:
1- طلب الدعاء من الأحياء: الذين يظهر عليهم الصلاح، ونحسبهم على خير وتقوى، وهذا النوع جائز؛ كما كان الصحابة يطلبون الدعاء من النبي ﷺ، وكما وصى النبي ﷺ أصحابه بطلب الدعاء من أُويس القرني إذا رأوه؛ لأنه كان بَرًّا بأمه ولو أقسم على الله لَأَبَرَّه.
2- سؤال المخلوقات والاستغاثة بالأموات: بما في ذلك الأنبياء – صلوات الله عليهم – والصحابة – رضوان الله عليهم – والأولياء الصالحون، والملائكة المكرمون، فضلًا عمن هم دونهم؛ فهذا كله حرام وناقض من نواقض الإسلام، ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ [الأحقاف: 5].
فهذا فرقٌ واضحٌ بين الدعاء المباح والدعاء المحرم المؤدي للشرك، وقد أباح لنا الشرع التوسل في الدعاء بأسماء الله وصفاته؛ مثل: «اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق..»، كما أباح لنا التوسل بالعمل الصالح، مثل قصة الثلاثة الذين كانوا في غار، فانحدرت صخرة وأقفلت عليهم الغار، فما كان منهم إلا أن توسلوا إلى الله – سبحانه – بأعمالهم الصالحة، ففرّج الله عنهم ما هم فيه، وانفرجت عنهم الصخرة، وخرجوا من الغار بكرامة من الله – عز وجلّ – فهذا أيضًا من التوسل الجائز في الدعاء.
وختامًا: ينبغي على المسلم أن يحذر من وضع وسائط بينه وبين ربه، وأن يسير على هَدي النبي ﷺ في الدعاء وفي سائر العبادات؛ كي لا يحيد عن الصراط المستقيم، ويقع في الشرك الموصل للجحيم.