(عدم تكفير الكافر) ثالث نواقض الإسلام
قال الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – في نواقض الإسلام: “مَن لم يُكفِّر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحّح مذهبَهم، كَفَر”. (نواقض الإسلام: 2)
فالواجب على المسلم أن يُكفِّر من وصفهم الله بالكافرين، وأن يتبرأ من الكفر وأهله، اقتداءً بنبي الله إبراهيم – عليه السلام – فقد قال تعالى: ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة: 4].
ما حكم مَن لم يكفّر الكافر؟
عدم تكفير الكافر، هو كفر بالله – تعالى – فالقاعدة أنّ مَن لم يكفّر الكافر فهو كافر مثله، والدليل قوله – تعالى: ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: 85]، وقوله – تعالى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾ [الحج: 62].
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله: “والذي يعلم الكافر وما هو عليه من الباطل، ثم لا يكفره، أو يشك في كفره؛ معناه: أنه مكذب لله ورسوله، غير مؤمن بما حكم الله عليه من الكفر.. فالواجب على المكلفين – من المسلمين – اعتقاد كفرهم وضلالهم، ومن لم يكفرهم أو شك في كفرهم يكون مثلهم؛ لأنه مكذب لله ورسوله، شَاكّ بما أخبر الله به ورسوله”. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: 28/ 226).
اطلع علي شرح نواقض الإسلام العشرة
ضوابط قاعدة (من لم يُكفّر الكافر فهو كافر):
متى يكون عدم تكفير الكافر كفرًا؟ هل تنطبق هذه القاعدة على جميع الكفار؟
لنجيب عن هذا السؤال ينبغي أن نعرف أصناف الكفر وهي:
1- الكفر الأصلي الذي لا خلاف عليه، مثل اليهودية والنصرانية والوثنية والبوذية، وغيرهم ممن هم كفار أصلًا ولم يدّعوا أنهم مسلمون، ففي هذه الحالة يكون عدم تكفير الكافر، أو الشك في كفره هو كفر بالله وخروج عن ملة الإسلام.
قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله: “وذلك لأن اليهود والنصارى كفّرهم الله – عز وجل – في كتابه؛ قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ- اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 30، 31]، فدل ذلك على أنهم مشركون، وبين الله – تعالى – في آيات أخرى ما هو صريح في كفرهم.. فمن أنكر كفر اليهود والنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمد ﷺ وكذبوه، فقد كذب الله – عز وجل – وتكذيب الله كفر، ومن شك في كفرهم فلا شك في كفره هو.” (فتاوى وأحكام الداخلين في الإسلام: 42).
2- الكفر الطارئ على المسلم بسبب ارتكابه ناقضًا من نواقض الإسلام، لكنه لا يزال معتقدًا أنه مسلم، وهذا يكون له عدة أحوال:
- من ارتكب ناقضًا من نواقض الإسلام التي أجمع العلماء بلا خلاف على كونها ردةً، مثل من سبّ النبي ﷺ، أو من أنكر معلومًا من الدين بالضرورة كالصلاة والصيام، ومثل الفِرق التي تنتسب للإسلام، لكن منهجها منهج كُفريّ مخالف لعقيدة الإسلام، كالرافضة والباطنية وغيرهم.
ففي هذه الحالات، يكون عدم تكفير الكافر، أو الشك في كفره، كفرًا مخرجًا عن الملة، لكن يُبيَّن له كفر هؤلاء وتُقام عليه الحجة أولًا؛ لأنه ربما يكون معذورًا بجهله أن هذه الأفعال كفرية.
- من ارتكب ناقضًا من نواقض الإسلام المختلف فيها، والتي لم يُجمع العلماء على كونها كفرًا، مثل ترك الصلاة تكاسلًا، أو ترك الزكاة وغيرها، ففي هذه الحالة، يكون عدم تكفير الكافر ليس كفرًا، ولا ينقض الإسلام؛ لأن الخلاف بين العلماء يجعل له مخرجًا.
فهذه هي الضوابط لقاعدة (من لم يكفر الكافر فهو كافر)، ينبغي أن يعلمها المسلم؛ لكي يكون على الصراط المستقيم، بين من يكفّرون المسلمين، وبين من يتركون التكفير كليّةً.
اطلع علي أنواع الشرك بالله
هل يكفر من شك في كفر الكافر؟
الشك في تكفير الكافر، هو مثل عدم تكفير الكافر في الحكم، كلاهما ينقض الإسلام؛ لأن الشك فيه هو شك فيما أخبر الله به – عز وجلّ – في القرآن، وفيما أخبر به النبي ﷺ في نحو قوله: «والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بي أحَدٌ مِن هذِه الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، ولا نَصْرانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ ولَمْ يُؤْمِنْ بالَّذِي أُرْسِلْتُ به، إلَّا كانَ مِن أصْحابِ النَّارِ» (مسلم: 153).
قال القاضي عياض – رحمه الله: “وقائل هذا كله كافر بالإجماع على كفر من لم يكفر أحدًا من النصارى واليهود وكل من فارق دين المسلمين أو وقف في تكفيرهم أو شك” (الشفا: 2/281).
حكم تكفير المعين:
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة – رحمه الله: “إنَّ التكفير له شروط وموانعُ، قد تنتفي في حقِّ المعيَّن، وإن تكفير المطلَق لا يستلزم تكفيرَ المُعَيَّن، إلاَّ إذا وُجِدَتِ الشروط، وانتفتِ الموانع” (مجموع الفتاوى: 12/487).
ومِن شروط الحكم على المسلم المُعَيَّنِ بالكُفْر:
- أن يكونَ عالمًا بتحريم هذا الشيء المُكَفِّر.
- أن يكونَ متعمِّدًا لفِعْله.
- أن يكونَ مختارًا غير مكرَه، بدليل قوله – تعالى: ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ [النحل: 106].
أما الموانع التي ينبغي أن تنتفي عن المسلم المعيّن قبل الحكم عليه بالكفر، فمنها:
- الجهل: قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: “إن تكفير المُعَيَّن وجواز قتله، موقوف على أن تبلغَه الحجة النَّبويَّة، التي يَكْفُر مَن خَالَفَها، وإلاَّ فليس مَن جهل شيئًا مِن الدِّين يَكْفُر” (الاستغاثة: 382،381/1).
وقال الشيخ ابن عُثيمين – رحمه الله: “الجهل بالمُكَفِّر على نوعينِ: الأول: أن يكونَ مِن شخص يدين بِغَيْر الإسلام، أو لا يدين بشيء، ولو لم يكن يخطر بباله أن دينًا يخالف ما هو عليه، فهذا تَجْرِي عليه أحكام الظاهر في الدنيا – أي أحكام الكُفَّار – وأما في الآخرة فأمْرُه إلى الله – تعالى. النوع الثاني: أن يكونَ من شخص يدين بالإسلام؛ ولكنه عاش على هذا المُكَفِّر، ولم يَكُن يخطر ببالِه أنه مخالفٌ للإسلام، ولا نَبَّهه أحدٌ على ذلك، فهذا تجري عليه أحكام الإسلام ظاهرًا، أما في الآخرة فأمْرُه إلى الله – عز وجل – وقد دَلَّ على ذلك الكتاب، والسنة، وأقوال أهل العلم” (مجموع فتاوى ابن عثيمين، لفهد السليمان: 2/ 130، 131).
- التأويل: وهو أن يرتكب المسلم أمرًا كفريًّا، معتقدًا مشروعيته أو إباحته؛ لدليل يرى صحته، أو لأمر يراه عذرًا له في ذلك، فإنه يُعذر ولا يكفر، قال الشيخ السعدي – رحمه الله: “إن المتأولين من أهل القِبلة الذين ضلوا وأخطأوا في فَهم ما جاء به الكتاب والسنة، مع إيمانهم بالرسول، واعتقادهم صِدقه في كل ما قال، وأن ما قاله كله حق، والتزموا ذلك، لكنهم أخطأوا في بعض المسائل الخبرية أو العملية، فهؤلاء قد دلَّ الكتاب والسنة على عدم خروجهم من الدِّين، وعدم الحكم لهم بأحكام الكافرين، وأجمع الصحابة – رضي الله عنهم – والتابعون، ومِن بعدهم أئمة السلف على ذلك” (الإرشاد إلى معرفة الأحكام: 207).
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذِكره أن المعيَّن لا يكفر حتى تجتمع فيه شروط التكفير وتنتفي عنه موانعه: “فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم لا يجوز الإقدام عليه، إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجةُ الرسالية التي يتبيَّن بها أنهم مخالفون للرسل، فليس لأحدٍ أن يكفر أحدًا من المسلمين – وإن أخطأ وغلط – حتى تُقام عليه الحجةُ، وتُبيَّن له المحجة، ومَن ثبت إيمانه بيقين، لم يَزُل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة” (مجموع الفتاوى: 12/ 489، 490/ 500، 501 باختصار).
تعرف علي الوسائط بين العبد وربه
هل يُعذر من لا يكفر اليهود والنصارى؟
أهل الكتاب من اليهود والنصارى هم كافرون بالله إجماعًا، وقد حكم الله عليهم بالكفر في آيات القرآن الكريم في عدة نصوص صريحة قطعية الدلالة:
- قال – تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: 17].
- وقوله – تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: 73].
- وقوله – تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: 98].
- وقال – تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: 31].
- وقال – تعالى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ [البينة: 1].
وسئل الشيخ ابن باز عن حكم من لم يكفّر اليهود والنصارى ، فأجاب – رحمه الله: “هو مثلهم، من لم يكفر الكفار فهو مثلهم، الإيمان بالله هو تكفير من كفر به… فلا بد من تكفير الكافرين، الذين بلغتهم الشريعة ولم يؤمنوا، كاليهود والنصارى والمجوس والشيوعيين وغيرهم، ممن يوجد اليوم وقبل اليوم، ممن بلغتهم رسالة الله ولم يؤمنوا، فهم من أهل النار كفار، نسأل الله العافية”. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: 28/46).
وعليه فإن الذي لا يكفِّر اليهود والنصارى لا يُعذَر في ذلك؛ لأن كفرهم معلوم من الدين بالضرورة، لكن يُستثنى من ذلك من كان في حال تستدعي العذر، كمن دخل في الإسلام حديثًا، أو من لا يعرف القراءة والكتابة وخفيت عليه الآيات الدالّة على كفرهم، فمثل هؤلاء لا يُحكم بكفرهم إلا بعد أن نبيّن لهم الحكمَ والأدلة، وتُقام عليهم الحجة، فمن أصرّ منهم بعد ذلك على عدم تكفير اليهود والنصارى؛ فعندها يُحكَم عليه بالكفر، وتنطبق عليه قاعدة (من لم يكفر الكافر فهو كافر).
ما حكم من قال لمسلم (يا كافر)؟
من المهم أن يعلم المسلم أن من نواقض الإسلام عدم تكفير الكافر، لكن بالمقابل فمن المهم أن يحذر المسلم من تكفير إخوانه المسلمين دون بينة من الله وسلطان؛ فقد قال النبي ﷺ: «أَيُّما رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أحَدُهُما” (البخاري: 6104)
قال الشيخ ابن باز – رحمه الله – في تعليقه على الحديث: “فلا يجوز للمسلم أن يُكَفِّر أخاه، ولا أن يقول: يا عدو الله، ولا: يا فاجر، إلا بدليل، فإذا رمى أخاه بالكفر وليس كذلك رجع إليه كلامه، والمعنى التحذير، ليس معناه أنه كفر أكبر، بل معناه التحذير من هذا الكلام السيئ، وأن صاحبه على خطر عظيم إذا قاله لأخيه، فينبغي حفظ اللسان وأن لا يتكلم إلا عن بصيرة.”. (الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الإمام ابن باز -رحمه الله-، تم الاطلاع عليها بتاريخ 2 من جمادى الآخرة 1445، رابط الفتوى: شرح حديث: “من قال لأخيه يا كافر …” )
وختامًا: نذكّر أنفسنا وإياكم أن التكفير مسألة خطيرة، لا ينبغي أن يُحكَم فيها إلا بدليل، وباتباع مذهب أهل السنة والجماعة، فمَن اتفقوا على كفره لم يجُز لنا أن نعتبره مسلمًا، ومَن لم يكفّروه لم يجز لنا رميه بالكفر، نسأل الله الثبات على دينه.