فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ
يقول الله -عز وجلّ- في سورة القتال: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ [محمد: 19].
- قال الإمام ابن جرير الطبري في تفسير قوله -تعالى- ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾:
“يقول -تعالى ذكرُه- لنبيه محمد ﷺ: فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي أو تصلح له الألوهة، ويجوز لك وللخلق عبادته، إلا الله الذي هو خالق الخلق، ومالك كل شيء، يدين له بالربوبية كل ما دونه” (تفسير الطبري: 21/ 208).
- وذكر ابن عاشور في تفسير قوله -تعالى- ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ﴾: “وما يَسْتَغْفِرُ مِنهُ النَّبِيءُ ﷺ لَيْسَ مِنَ السَّيِّئاتِ لِعِصْمَتِهِ مِنها، وإنَّما هو اسْتِغْفارٌ مِنَ الغَفَلاتِ ونَحْوِها، وتَسْمِيَتُهُ بِالذَّنْبِ في الآيَةِ إمّا مُحاكاةٌ لِما كانَ يُكْثِرُ النَّبِيءُ ﷺ أنْ يَقُولَهُ «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي» وإنَّما كانَ يَقُولُهُ في مَقامِ التَّواضُعِ، وإمّا إطْلاقٌ لِاسْمِ الذَّنْبِ عَلى ما يَفُوتُ مِنَ الِازْدِيادِ في العِبادَةِ مِثْلُ أوْقاتِ النَّوْمِ والأكْلِ، وإطْلاقُهُ عَلى ما عَناهُ النَّبِيءُ ﷺ في قَوْلِهِ: «إنَّهُ لَيُغانُ عَلى قَلْبِي وإنِّي أسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّة» (مسلم: 2702)” (التحرير والتنوير: 26/ 105).
ومعنى (يُغان): أي يُغطَّى على قلبي، والمراد بذلك في حق النبي ﷺ هو كما نُقِل عن القاضي عياض: “ما يحصل من الفتور عن الذكر؛ الذي من شأنه ﷺ أن يُداوم عليه” (فتح الباري: 11/ 101، بتصرف).
- وقوله -تعالى- ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ معناه: “ واستغفر أيضًا للمؤمنين وَالْمُؤْمِنَات؛ فإنهم -بسبب إيمانهم- كان لهم حق على كل مسلم ومسلمة، ومن جملة حقوقهم أن يدعو لهم ويستغفر لذنوبهم” (تفسير السعدي: 929).
- ومعنى قوله -تعالى- ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾:
“أي: يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم.. وهو اختيار ابن جرير.
وعن ابن عباس: متقلبكم في الدنيا، ومثواكم في الآخرة.
وقال السدي: متقلبكم في الدنيا، ومثواكم في قبوركم.
والأول أولى وأظهر، والله أعلم .” (مختصر تفسير ابن كثير: 3/ 334).
والخطاب في الآية وإن كان موجهًا للنبي ﷺ ابتداءً، إلا أنه ليس خاصًّا به ﷺ، بل يشمل جميع المؤمنين والمؤمنات من أمته، والأوامر في الآية ملزمة لهم، وفيها خير معاشهم ومعادهم إن هم فقهوها وعملوا بها.
اطلع علي المقاصد العقدية من الآيات القرآنية.
سبب نزول قوله -تعالى-(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ) :
مما ذُكِر في مناسبة نزول قوله -تعالى- ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾: “قال عبد العزيز بن يحيى الكناني: هو أنّ النبي ﷺ كان يضجَر، ويضيق صدره من طعن الكافرين، والمنافقين فيه، فأنزل الله -تعالى- هذِه الآية، يعني: فاعلم أنّه لا كاشف يكشف ما بك إلاّ الله، فلا تُعلق قلبك على أحد سواه” (تفسير الثعلبي: 24/ 188).
فهذه مناسبة نزول قوله -تعالى- ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾، وهذه الآية من سورة محمد ﷺ، مليئة بالمقاصد العقدية والمنافع، على قصرها، ووضوح معانيها، إلا أن العلماء استفاضوا في بيان فوائدها، واستخراج نفيس الدرِّ منها.
(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ)– المقاصد العقدية:
عند تدبر قوله -تعالى- ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾، ومحاولة استقصاء مراميها، نجد أن الآية ترشد إلى عدة مقاصد عقدية، منها:
1- قاعدة (العلم قبل القول والعمل)، وهي قاعدة شرعية سيأتي بيانُها وتفصيلُها -إن شاء الله.
2- مركزية كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) في دين الإسلام؛ فهي الكلمة الفاصلة، وهي فرق ما بين التوحيد والشرك، وبها ينجو الإنسان من الخلود في النار.
3- ما يترتب على كلمة التوحيد من يقين واستقامة وتوبة عن الكفر والمعاصي، وأن مجرد العلم بها دون إيمان أو عمل لا يسمن ولا يغني من جوع، وهذا مأخوذ من عطف الأمر بالاستغفار، على الأمر بمعرفة (لا إله إلا الله) في الآية؛ حيث قال: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾.
ففي هذه الآية خلاصة عقيدة المسلم، يخاطب فيها رب العزة -تبارك وتعالى- نبيه ﷺ، ويأمره بمعرفة ربه والاستغفار لذنبه، وهو ﷺ مع ذلك أعلم الناس بالله وأتقاهم له، وقد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلا ريب أننا إلى هذه المعرفة أحوج، وإلى مغفرة ذنوبنا أفقر.
قاعدة: (العلم قبل القول والعمل)
بوّب الإمام البخاري في صحيحه بابًا سمّاه (باب العلم قبل القول والعمل)، وقال فيه:
“لِقول الله -تعالى- ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾، فبدأ بالعلم، وأن العلماء هم ورثة الأنبياء، ورّثوا العلم، من أخذه أخذ بحظ وافر، ومن سلك طريقًا يطلب به علمًا سهّل الله له طريقًا إلى الجنة” (صحيح البخاري: 1/ 27).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله: “استدل البخاري -رحمه الله- بهذه الآية على وجوب البداءة بالعلم قبل القول والعمل، وهذا دليل أثري يدل على أن الإنسان يعلم أولًا ثم يعمل ثانيًا، وهناك دليل عقلي نظري يدل على أن العلم قبل القول والعمل؛ وذلك لأن القول أو العمل لا يكون صحيحًا مقبولًا حتى يكون على وفق الشريعة، ولا يمكن أن يعلم الإنسان أن عمله على وفق الشريعة إلا بالعلم، ولكن هناك أشياء يعلمها الإنسان بفطرته كالعلم بأن الله إله واحد، فإن هذا قد فُطِر عليه العبد؛ ولهذا لا يحتاج إلى عناء كبير في التعلم، أما المسائل الجزئية المنتشرة فهي التي تحتاج إلى تعلم وتكريس جهود” (شرح الأصول الثلاثة: 12).
إذن هذه الآية هي دليل على أهمية العلم، وتحديدًا علم التوحيد؛ لأن التوحيد وإن كان أمرًا تميل الفطرة السليمة إليه، ويطمئن القلب إذا ارتكز عليه، إلا أن لعلم التوحيد، ولمعرفة (لا إله إلا الله)، شروطًا وأقسامًا يحسُن بالمسلم الحريص أن يتعلّمها؛ ليعبد الله على بصيرة، ويؤمن به عن يقين.
أقسام العلم بـ (لا إله إلا الله):
معنى (لا إله إلا الله): أي لا معبودَ بحقٍّ إلا الله، فكل ما عُبِد غير الله هو مجرد مخلوقات ضعيفة؛ لا تملك لأنفسها نفعًا ولا ضرًّا، ولا تملك موتًا ولا حياةً ولا نشورًا، وما أبعد هذا النقص والفقر عن كمال صفات المعبود العظيم المستحق للعبادة وحده -سبحانه وتعالى.
ولكي يطبق المسلم أمر ربه -تعالى- ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾، ينبغي أن يتعلم أٌقسام العلم بـ (لا إله إلا الله)، قال الشيخ السعدي -رحمه الله:
“وهذا العلم الذي أمر الله به -وهو العلم بتوحيد الله- فرض عين على كل إنسان، لا يسقط عن أحد كائنًا من كان، بل كلٌ مضطر إلى ذلك. والطريق إلى العلم بأنه (لا إله إلا هو) يستلزم أمورًا:
- أحدها -بل أعظمها: تدبر أسمائه وصفاته، وأفعاله الدالة على كماله وعظمته وجلالته.
- الثاني: العلم بأنه -تعالى- المنفرد بالخلق والتدبير؛ فيعلم بذلك أنه المنفرد بالألوهية.
- الثالث: العلم بأنه المنفرد بالنعم الظاهرة والباطنة، الدينية والدنيوية؛ فإن ذلك يوجب تعلق القلب به ومحبته، والتأله له وحده لا شريك له.
- الرابع: ما نراه ونسمعه من الثواب لأوليائه القائمين بتوحيده من النصر والنعم العاجلة، ومن عقوبته لأعدائه المشركين به، فإن هذا داعٍ إلى العلم بأنه -تعالى- وحده المستحق للعبادة كلها.
- الخامس: معرفة أوصاف الأوثان والأنداد التي عُبدتْ مع الله، واتُّخذتْ آلهة، وأنها ناقصة من جميع الوجوه، لا تملك لنفسها ولا لعابديها نفعًا ولا ضرًّا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، ولا ينصرون من عبدهم؛ فإن العلم بذلك يوجب العلم بأنه لا إله إلا هو وبطلان إلهية ما سواه.
- السادس: اتفاق كتب الله على ذلك، وتواطؤها عليه.
- السابع: أن خواصّ الخلق، الذين هم أكمل الخليقة أخلاقًا وعقولًا، ورأيًا وصوابًا، وعلمًا -وهم الرسل والأنبياء والعلماء الربانيون- قد شهدوا لله بذلك.
- الثامن: ما أقامه الله من الأدلة الأفقية والنفسية، التي تدل على التوحيد أعظم دلالة، وتنادي عليه بلسان حالها بما أودعها من لطائف صنعته، وبديع حكمته، وغرائب خلقه” (تفسير السعدي: 928، 929 بتصرف يسير واختصار).
وقال ابن القيم -رحمه الله: “ليس التَّوحيدُ مُجَرَّدَ إقرارِ العَبدِ بأنَّه لا خالِقَ إلَّا اللهُ، وأنَّ اللهَ رَبُّ كُلِّ شَيءٍ ومَليكُه، كما كان عُبَّادُ الأصنامِ مُقِرِّينَ بذلك وهم مُشْرِكون، بل التَّوحيدُ يتضَمَّنُ مِن مَحَبَّةِ اللهِ، والخُضوعِ له، والذُّلِّ له، وكَمالِ الانقيادِ لطاعتِه، وإخلاصِ العِبادةِ له، وإرادةِ وَجْهِه الأعلى بجَميعِ الأقوالِ والأعمالِ، والمَنْعِ والعَطاءِ، والحُبِّ والبُغضِ، ما يحولُ بَيْنَ صاحبِه وبَيْنَ الأسبابِ الدَّاعيةِ إلى المعاصي، والإصرارِ عليها” (مدارج السالكين: 1/ 339).
فهذه هي كلمة (لا إله إلا الله) التي تكون سببًا في دخول المسلم الجنة، والنجاة من الخلود في النار، وحلول شفاعة رسول الله ﷺ يوم لا تملك نفسٌ لنفس شيئًا.
ثمرات (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ):
إذا استجاب المسلم لأمر ربه في قوله: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾، وحرص على كمال توحيده باستيفائه أقسام العلم بالله التي سبق ذكرها، فهنيئًا له ما وعد الله ورسوله ﷺ؛ من خير وبركة، وسعادة تناله في الدنيا قبل الآخرة، ومن هذه الوعود العظيمة:
- وعد الله بقبول الشفاعة، قال -تعالى: ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا﴾ [مريم: 87]، قال ابن كثير في تفسير العهد: “هو شهادة أن لا إله إلا الله، والقيام بحقها” (تفسير ابن كثير: 5/ 265).
- وقال الله -عز وجلّ: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَول الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ﴾ [إبراهيم: 27]، قال البغوي في تفسير القول الثابت: “كَلِمةِ التَّوحيدِ، وهي قَولُ: لا إلهَ إلَّا اللهُ” (تفسير البغوي: 3/ 38).
- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتِكَ يَومَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ: «… أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنَ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ» (البخاري: 6570).
- وقال رسول الله ﷺ: «مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الجَنَّةَ» (مسلم: 26).
- وعن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- عن النبي ﷺ أنه قالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» قُلتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ..» (البخاري: 5827).
- وقال رسول الله ﷺ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ -أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ- شُعْبَةً، فَأَفْضَلُها قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» (مسلم: 35).
ومن أقوال كبار علماء أهل السنة والجماعة عن بركات العلم بالله، وثمرات ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾:
- قال الصَّنعانيُّ: “هذه الكَلِمةُ الشَّريفةُ هي التي أباح اللهُ الأرواحَ والأنفُسَ والأموالَ وصانها بها، وبَعَثَ رُسُلَهَ أوَّلَهم وآخِرَهم بدُعاءِ الخَلْقِ إليها، كُلُّ رَسولٍ يَقولُ: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [الأعراف: 59]، وهي أعلى شُعَبِ الإيمانِ” (التنوير شرح الجامع الصغير: 2/ 554).
- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: “اَللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أَرْسَلَ الرُّسُلَ بِأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، فَتَخْلُو الْقُلُوبُ عَنْ مَحَبَّةٍ مَا سِوَاهُ بِمَحَبَّتِهِ وَبِرَجَائِهِ، وَعَنْ سُؤَالِ مَا سِوَاهُ بِسُؤَالِهِ، وَعَنْ الْعَمَلِ لِمَا سِوَاهُ بِالْعَمَلِ لَهُ، وَعَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِمَا سِوَاهُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِ. وَلِهَذَا كَانَ وَسَطَ الْفَاتِحَةِ ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]” (مجموع الفتاوى: 18/ 319).
- وقال ابن القيم -رحمه الله: “اللذة التَّامَّة، والفرح، وَالسُّرُور، وَطيب الْعَيْش، وَالنَّعِيم إِنَّمَا هُوَ فِي معرفَة الله، وتوحيده، والأنس بِهِ، والشوق إِلَى لِقَائِه، واجتماع الْقلب والهم عَلَيْهِ، فَإِن أنكد الْعَيْش عَيْش مَن قلبُه مشتت، وهمُّه مفرَّق” (رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه: 29).
- وقال -رحمه الله- أيضًا: “اعلَمْ أنَّ أشِعَّةَ لا إلهَ إلَّا اللهُ تبدِّدُ مِن ضَبابِ الذُّنوبِ وغُيومِها بقَدْرِ قُوَّةِ ذلك الشُّعاعِ وضَعْفِه، فلها نُورٌ، وتفاوُتُ أهلِها في ذلك النُّورِ قُوَّةً وضَعفًا لا يُحصِيه إلَّا اللهُ -تعالى- فمِنَ النَّاسِ مَن نُورُ هذه الكَلِمةِ في قَلْبِه كالشَّمسِ، ومِنهم مَن نُورُها في قَلْبِه كالكوكَبِ الدُّرِّيِّ، ومنهم مَن نُورُها في قَلْبِه كالمِشعَلِ العَظيمِ، وآخَرُ كالسِّراجِ المضِيءِ، وآخَرُ كالسِّراجِ الضَّعيفِ؛ ولهذا تَظهَرُ الأنوارُ يومَ القيامةِ بأيمانِهم، وبَيْنَ أيديهم، على هذا المِقدارِ، بحسَبِ ما في قُلوبِهم مِن نُورِ هذه الكَلِمةِ؛ عِلمًا وعَمَلًا، ومَعرِفةً وحالًا” (مدارج السالكين: 1/ 338).
فهذا غيض من فيض بركات (لا إله إلا الله)، وخيرات الاستجابة للأمر في ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾، ولا سبيل لحصر ثمراتها في مقال أو خطاب، ولكن انظر إلى حال أولياء الله والعارفين به يَأْتِك الجواب.
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ ثم استقم..
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ وبادر بالاستغفار والتوبة..
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ واشمل إخوانك من المؤمنين والمؤمنات في دعائك واستغفارك..
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ ولا تغفل عن نظر الله لك، وراقبه في السر والعلن..
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ واعبده بإحسان كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك..
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ واجعل علمك يثمر عملًا صالحًا وخلُقًا حسنًا..
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ ولا تبخل بما علمت على إخوانك، فأخلص لهم النصحَ والدعوة..
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ واستحضر اقتداءك بنبيك وقائدك ﷺ، فهو أول من استجاب لهذا الأمر..
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ ولا تتكبر على العلم، ولا تحسب أن أحدًا بعيد عن الفتنة في دينه..
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ وضعها شعارًا لحياتك، واجعل لسانك رطبًا بها، لعلها تكون آخر ما تنطق به في الدنيا، فتُكتب من أهل الجنة السعداء -بإذن الله.