Blog

كراهية أحكام الشريعة

كراهية أحكام الشريعة

  كراهية أحكام الشريعة (خامس نواقض الإسلام)

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله– في نواقض الإسلام: “من أبغَضَ شيئًا مما جاء به الرسول ﷺ ولو عمِل به كَفَر” (نواقض الإسلام: 3).

وذلك لأن كراهية أحكام الشريعة من أخص خصائص الكافرين والمنافقين، قال الله –تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ * ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: 8، 9].

قال الشيخ السعدي –رحمه الله: “ذلك الإضلالُ والتَّعسُ للَّذين كفروا، بسَبَبِ أنَّهم كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ من القُرآنِ، الذي أنزله اللهُ صلاحًا للعبادِ، وفلاحًا لهم، فلم يَقبَلوه، بل أبغَضوه وكَرِهوه، فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ” (تفسير السعدي: 926، 927).

ومما يُستدل به أيضًا في مسألة كراهية أحكام الشريعة قول الله –عز وجلّ: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].

قال الشيخ السعدي –رحمه الله: “أقسم –تعالى– بنفسه الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يُحَكِّموا رسولَه فيما شجر بينهم؛ أي: في كل شيء يحصل فيه اختلاف، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق، ثم لا يكفي ذلك حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن. فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان” (تفسير السعدي: 199، 200، باختصار).

فلا يستقيم أن يجتمع في قلب امرئ مسلم الإيمانُ بالله ورسوله ﷺ مع كراهية أحكام الشريعة وبغض ما جاء به النبي ﷺ؛ لأن الإيمان يبعث في النفس الرضا بالله –سبحانه– والقبول بحكمه، والإذعان لأمره.

 

حكم كراهية أحكام الشريعة

كراهية أحكام الشريعة الإسلامية وكراهية ما أنزل الله من الهدى والنور كفر ونفاق أكبر، يودي بصاحبه للدرك الأسفل من النار –عياذًا بالله.

  • عدّ الشيخ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ كراهيةَ أحكام الشريعة نوعًا من أنواع النفاق الأكبر؛ قال –رحمه الله: “أمَّا النِّفاقُ فهو نوعانِ؛ نفاقٌ اعتقاديٌّ، ونِفاقٌ عَمَليٌّ؛ فأمَّا الاعتقاديُّ فهو سِتَّةُ أنواعٍ: تكذيبُ الرَّسولِ، أو تكذيبُ بَعْضِ ما جاء به الرَّسولُ، أو بُغضُ الرَّسولِ، أو بُغضُ ما جاء به الرَّسولُ، أو المسَرَّةُ بانخفاضِ دينِ الرَّسولِ، أو الكراهيةُ لانتِصارِ دينِ الرَّسولِ؛ فهذه الأنواعُ السَّتَّةُ صاحِبُها من أهلِ الدَّركِ الأسفَلِ مِن النَّارِ. نعوذُ باللهِ مِن الشِّقاقِ والنِّفاقِ” (الدرر السنية في الأجوبة النجدية: 2/ 72).
  • وقال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله– عن كراهية أحكام الشريعة: “مَن أبغَضَ شريعةَ الرَّسولِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، أو أبغضَ شعيرةً من شعائرِ الإسلامِ، أو أبغض أيَّ طاعةٍ مِمَّا يتعبَّدُ به النَّاسُ في دينِ الإسلامِ؛ فإنَّه كافِرٌ، خارجٌ عن الدِّينِ؛ لقَولِ اللهِ تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [مُحَمَّد: 9]، ولا حُبوطَ للعَمَلِ إلَّا بالكُفْرِ، فمن كَرِهَ فَرْضَ الصَّلَواتِ فهو كافِرٌ ولو صَلَّى، ومن كَرِهَ فَرْضَ الزكاةِ فهو كافِرٌ ولو زكَّى” (تفسير ابن عثيمين: 334).
  • وقال الشيخ ابن باز –رحمه الله– عن كراهية أحكام الشريعة: “من أبغضَ شيئًا مِن شَرعِ اللهِ –أبغَضَ الصَّلاةَ أو الزكاةَ أو التَّوحيدَ أو الصِّيامَ، وكَرِهَ ذلك– يكونُ كافِرًا ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [مُحَمَّد: 9](سبل السلام: 137).

فعلى المسلم الحذر من الوقوع في هذا الإثم العظيم؛ لأن كراهية أحكام الشريعة تؤدي إلى كراهية الطاعة وكراهية الدين كليّةً –والعياذ بالله– لهذا فإن الله –سبحانه– قد ذَمَّ مجرد اتباع الذين كرهوا ما أنزل الله؛ قال –تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: 25 – 28].

 

حكم من يعترض على شرع الله

من النتائج الحتمية لكراهية أحكام الشريعة الاعتراض على شرع الله، وترك الحكم بما أنزل الله، وهذا كله من نواقض الإسلام، وَهَوَادِمِ الإيمان.

قال الشيخ ابن باز –رحمه الله– عن كراهية أحكام الشريعة والاعتراض على شرع الله: “الأحكام التي شرعها الله لعباده وَبَيَّنها في كتابه الكريم أو على لسان رسوله الأمين –عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم– كأحكام المواريث والصلوات الخمس والزكاة والصيام ونحو ذلك مما أوضحه الله لعباده وأجمعت عليه الأمة -ليس لأحد الاعتراض عليها ولا تغييرها؛ لأنه تشريع محكم للأمة في زمان النبي ﷺ وبعده إلى قيام الساعة، ومن زعم أن الأصلح خلافه فهو كافر، وهكذا من أجاز مخالفته يُعتبر كافرًا؛ لأنه معترض على الله –سبحانه– وعلى رسوله ﷺ وعلى إجماع الأمة” (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 5 /431 باختصار).

تعرف علي هل يصح الحكم بغير ما أنزل الله؟

الفرق بين كراهية أحكام الشريعة واستثقال الطاعة

فرّق العلماء بين كراهية أحكام الشريعة –وهي كراهية اعتقادية مؤدية إلى الكفر– وبين استثقال المسلم لبعض الطاعات والأحكام؛ لما فيها من مشقة ومجاهدة للنفس البشرية، أو بسبب وسوسة الشيطان له وتنفيره من العبادة، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولا يدَعُ طائعًا لطاعتِه وخشوعِه وإيمانِه، بل يظل يوسوس له ويغويه حتى يوقع في قلبه ضيقًا وكراهية لأحكام الشريعة، إلا من عصم الله وكتب له الثبات؛ نسأل الله أن نكون منهم.

وَحُكم استثقال الطاعة ونفور الطبع عن الأحكام الشاقة يختلف تمامًا عن حكم كراهية أحكام الشريعة السالف ذكره، وهذا جمعٌ لبعض أقوال علماء أهل السنة والجماعة في هذه المسألة:

  • قال الشيخ ابن عثيمين في تفسير قوله –تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ [البقرة:216]: “الضمير (هو) يعود على القتال، وليس يعود على الكتابة، فإن المسلمين لا يكرهون ما فرضه الله عليهم، وإنما يكرهون القتال بمقتضى الطبيعة البشرية، وفرق بين أن يقال: إننا نكره ما فرض الله من القتال وبين أن يقال: إننا نكره القتال، فكراهة القتال أمر طبيعي؛ فإن الإنسان يكره أن يقاتل أحدًا من الناس فيقتله، فيصبح مقتولًا، لكن إذا كان هذا القتال مفروضًا علينا صار محبوبًا إلينا من وجهٍ، ومكروهًا لنا من وجهٍ آخر” (تفسير ابن عثيمين سورة البقرة: 3/ 48)
  • وقال –رحمه الله– موضحًا الحد الفاصل بين كراهية أحكام الشريعة وبين تثاقل النفس عن الطاعة: “لا حرج على الإنسان إذا كره ما كُتب عليه، لا كراهته من حيث أمَر الشارع به، ولكن كراهته من حيث الطبيعة، أما من حيث أمر الشارع به فالواجب الرضا، وانشراح الصدر به” (تفسير ابن عثيمين سورة البقرة: 3/ 50).
  • وقال البَغَويُّ في تفسيرِ هذه الآية: “وهو كُرهٌ لكم، أي: شاقٌّ عليكم، قال بَعْضُ أهلِ المعاني: هذا الكُرهُ من حيثُ نفورُ الطَّبعِ عنه؛ لِما فيه من مُؤنةِ المالِ ومشَقَّةِ النَّفسِ وخَطَرِ الرُّوحِ، لا أنَّهم كَرِهوا أمرَ اللهِ –تعالى” (تفسير البغوي: 1/ 274).
  • وقال القرطبيُّ في تفسير هذه الآية: “وإنَّما كان الجِهادُ كُرهًا؛ لأنَّ فيه إخراجَ المالِ، ومُفارقةَ الوَطَنِ والأهلِ، والتعَرُّضَ بالجَسَدِ للشِّجاجِ والجِراحِ، وقَطْعِ الأطرافِ وذَهابِ النَّفس؛ فكانت كراهيتُهم لذلك، لا أنَّهم كَرِهوا فَرْضَ الله –تعالى” (تفسير القرطبي: 3/ 39).
  • وقال ابن الجوزي –رحمه الله– عند تفسير قوله –تعالى: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾ [الأنفال: 5]: “وهذه كراهة الطبع؛ لمشقة السفر والقتال، وليست كراهة لأمر الله –تعالى” (زاد المسير: 2/ 189).
  • وقال ابنُ قيم الجوزية –رحمه الله: “الشيء قد يكون محبوبًا مرضيًّا من جهة، ومكروهًا من جهة أخرى، كشرب الدواء النافع الكريه، فإن المريض يرضى به مع شدة كراهته له، وكصوم اليوم الشديد الحر، فإن الصائم يرضى به مع شدة كراهته له، وكالجهاد للأعداء، قال –تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: 216]، فالمجاهد المخلص يعلم أن القتال خير له، فرضي به وهو يكرهه؛ لما فيه من التعرض لإتلاف النفس، وألمها، ومفارقة المحبوب، ومتى قوي الرضا بالشيء وتمكن انقلبت كراهته محبة، وإن لم يَخْلُ من الألم، فالألم بالشيء لا ينافي الرضا به، وكراهته من وجه لا ينافي محبته وإرادته والرضا به من وجه آخر” (شفاء العليل: 279).

فهذه الأقوال لعلماء الأمة –في القديم والحديث– توضح الفارق بين حكم كراهية أحكام الشريعة وبين حكم استثقال العبادات الشاقة، وهذه الأقوال هي مما تطيب به نفوس المؤمنين، وتَقر به أعينهم فرحًا برحمة ربهم وواسع فضله، حيث إنه –سبحانه– لم يؤاخذهم بما جُبِلوا عليه من حب الراحة والدعة، طالما أنهم راضون بشريعته، مسلمون لأمره، مطبقون أحكامه رغمًا عن كيد الشيطان وهوى النفس.

 

ما حكم المرأة التي تكره التعدد؟

من الأمور التي يكثُر سؤال النساء عنها؛ حكم كراهية المرأة للتعدد، وهل تُعد هذه الكراهية من قبيل كراهية أحكام الشريعة؟ أم من قبيل الكراهية الجبلية للأحكام الثقيلة والشاقة على النفس؟

خاصةً أن بعض النساء قد تدفعهن الغيرة والغضب إلى ذم التعدد وسبِّ الرجل المعدد ونعته بالخيانة وغيرها من الصفات، كما أن بعض الزوجات يمنعن أزواجهن من الزواج بأخرى بل وَقَدْ تطلب الطلاق فورًا إذا علمت برغبته في الزواج؛ فهل تُنكَر مثلُ هذه الأمور عليهن؟

نقول: إن أهل العلم فَرَّقوا في هذا المقام بين أمرين أو حالين:

الأول: حال المرأة التي تكره التعدد من فرط الغيرة؛ لأن هذه طبيعتها وفطرتها التي تجعلها في العادة تكره أن تزاحمها امرأة أخرى في زوجها، ولا تريد أن يتزوج زوجها امرأة أخرى معها، والمرأة غير ملومة في ذلك؛ لأنه أمر خارج عن إرادتها.

ومما يُستأنس به في هذا الحال ما جاء عن عائشة رضي الله عنها عندما  نزَلَت آية التخيير: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 28، 29]، فَبَدَأَ النبي ﷺ بعائِشَةَ، فَقالَ: «يا عائِشَةُ، إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَعْرِضَ عَلَيْكِ أَمْرًا أُحِبُّ أَنْ لا تَعْجَلِي فيه حتّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ، قالَتْ: وَما هو يا رَسولَ اللهِ؟ فَتَلا عَلَيْها الآيَةَ، قالَتْ: أَفِيكَ –يا رَسولَ اللهِ– أَسْتَشِيرُ أَبَوَيَّ؟! بَلْ أَخْتارُ اللَّهَ وَرَسولَهُ، والدّارَ الآخِرَةَ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ لا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِن نِسائِكَ بالَّذِي قُلتُ، قالَ: لا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ منهنَّ إلّا أَخْبَرْتُها، إنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا». (مسلم: 1478).

والشاهد هنا أن عائشة –رضي الله عنها– طَلَبَت منه ألَّا يُخبِرَ امرأةً مِن نِسائِه بالَّذي أجابتْ به؛ وذلِك غَيْرةً منها، وحِرْصًا على التَّفرُّدِ بالنَّبيِّ ﷺ، والاستكثارِ منه، فقال : «لا تَسأَلُني امرأةٌ منهنَّ إلَّا أخبَرْتُها»؛ لأُعِينَها به على الاختيارِ، وعلَّل ذلك بأنَّ اللهَ لم يَبعَثْه مُعنِّتًا؛ أي: مُوقِعًا أحدًا في أمرٍ شَديدٍ، والعَنَتُ: المشقَّةُ والإثمُ أيضًا، «ولا مُتعنِّتًا»، أي: طالبًا لَزَلَّةِ أحدٍ.

الثاني: حال المرأة التي تكره تشريع الله للتعدد أو تكره أن الله أباح للرجل أن يتزوج أكثر من امرأة، فهي تكره هذا التشريع سواء كان الأمر يتعلق بها أو بغيرها بل ترى أن حكم الله هذا فيه ظلم للمرأة .. فهذه الكراهية على هذا النحو من الكفر المحبط للعمل 

ومما جاء في فتاوى أهل العلم فيما يتعلق بهذه المسألة:

  • فتوى الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله: “للزوج أن يتزوج من النساء ما يشاء كما قال –تعالى: ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: 3] فله أن يتزوج إلى أربع، ولا يحل للمرأة أن تمنعه من التزوج بأخرى؛ لأن الحق في التعدد للزوج وليس للزوجة، إلا إذا كانت اشترطت عليه حين عقد النكاح أن لا يتزوج عليها؛ فقد قال النبي ﷺ: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» (البخاري: 2721). وأما بدون شرط فإنه لا يحل لها أن تمنع زوجها، ولا يحل له هو  أن يمتنع هو في أن يتزوج، بل له أن يتزوج رضيت أم كرهت، وإذا  تزوج فليس من حقها أن تطلب طلاق الأخرى، ولا يلزمه هو أن يطلقها إذا طلبت؛ لأنه جاء عن النبي ﷺ أن من «سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ؛ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة» (صحيح الترمذي: 1187)(الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- تم الاطلاع عليها بتاريخ 4 من رجب  1445، رابط الفتوى: https://binothaimeen.net/content/11662).
  • فتوى الشيخ ابن باز –رحمه الله– (التي ننقلها بلفظها ولغتها): “من كره تعدد الزوجات وزعم أن عدم التعدد أفضل فهو كافر مرتد عن الإسلام؛ لأنه –نعوذ بالله– مُنْكِر لحكم الله وَكَارِهٌ لما شرع الله، والله يقول –سبحانه: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: 9]، من كره ما أنزل الله حبط عمله، فالذي يكره تعدد الزوجات ويرى أن الشريعة يعني قد ظلمت أو أن في حكم الله في هذا ناقص أو (مو بطيب) ، أو أن ما يفعلونه في بلاد النصارى من الواحدة أن هذا أولى وأفضل، هذا كله ردة عن الإسلام نعوذ بالله، كالذي يقول: إن فرض الصلاة ما هو مناسب، لو ترك الناس بدون الصلاة كان أحسن أو بدون صيام أحسن أو بدون زكاة، من قال هذا فهو كافر” (الموقع الرسمي لسماحة الشيخ الإمام ابن باز -رحمه الله، تم الاطلاع عليها بتاريخ 4 من رجب  1445، رابط الفتوى: حكم من أنكر تعدد الزوجات).

وعليه فإن الحاصل أن كراهية بعض النساء للتعدد إن كانت طبيعية نابعةٌ من الغيرة وليس رفضًا لما شرعه الله فإنها لا تندرج –بفضل الله– تحت كراهية أحكام الشريعة التي هي من نواقض الإسلام؛ قال الطاهر ابن عاشور –رحمه الله: “ومعلوم أن كراهية الطبعِ الفعلَ لا تنافي تلقي التكليف به برضا؛ لأن أكثر التكليف لا يخلو عن مشقة” (التحرير والتنوير: 2/ 320).

لكنْ على المرأة أن تحذر كل الحذر من الغلو في الغيرة والكراهية، ومجاراة أحاديث النساء المعتادة في ذم التعدد والمعددين، بل وفي انتقاص كل امرأة تقبل بالتعدد؛ لأن ذلك يجعلها على خطر الوقوع في كراهية أحكام الشريعة، وارتكاب ناقض من نواقض الإسلام.

فلتصبر المرأة ولتحتسب، ولْترضَ بحكم الله وقضائه، ولتضع نصب عينها قولَ نبيها ﷺ: «حُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكارِهِ» (مسلم: 2822)، قال الإمام النووي في شرح الحديث: “فَأَمَّا الْمَكَارِه فَيَدْخُل فِيهَا الِاجْتِهَاد فِي الْعِبَادَات، وَالْمُوَاظَبَة عَلَيْهَا، وَالصَّبْر عَلَى مَشَاقّهَا، وَكَظْم الْغَيْظ، وَالْعَفْو وَالْحِلْم وَالصَّدَقَة وَالْإِحْسَان إِلَى الْمُسِيء وَالصَّبْر عَنْ الشَّهَوَات، وَنَحْو ذَلِكَ” (صحيح مسلم بشرح النووي: 17/ 241).

فإن كان صبر المرأة على التعدد ومدافعة الغيرة واحتمال الألم النفسي اللاحق بها؛ وحرصها مع ذلك على طاعة زوجها وعدم مجافاته -إن كان هذا ثمنًا لدخولها الجنة ونجاتها من النار، فما أبخس الثمن وما أنفس السلعة!

 

وختامًا: فمعلوم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولا عجب أن ينفث في قلب ابن آدم بغضَ الطاعة وكراهية أحكام الشريعة والنفور عنها، يوسوس له كره الصلاة أو كره الزكاة..، وينفّره من الهَدي الظاهر للمسلم –كاللحية والنقاب… وغيرهما– سعيًا منه أن يوقع المسلم في الكفر الناتج عن كراهية أحكام الشريعة، وخاب سعيه ومُحِق كيده –بإذن الله– فليستعن المسلم بربه وليتوكل عليه؛ ولن يجعل الله للشيطان على قلبه سبيلًا؛ فهو –سبحانه– القائل: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا﴾ [الإسراء: 65].

معتقد: منصة تعليمية تدريبية عن بعد، تقدم محاضرات منهجية ودروس لعقيدة أهل السنة والجماعة.

العلم نور يهدي الله به من يشاء

سجل الان
Scan the code